القائمة الرئيسية

الصفحات

 


قال : لقد حظيت بزيارة خاصة ..

 

ولما وجدنى غير عابىء ، أضاف : كأنك تعلم ؟

 

قلت : لا .. لكنى خمنت ذلك ..

 

قال : ومارأيك ؟

 

قلت : لاأدرى ..

 

قال : لقد فوجئت بطلب زيارة ، فى يوم النقل نفسه ، وتساءلت من يدرى بذلك خاصة وأن النقل قد تم بشكل مفاجىء نظرا للظروف الراهنة ، ثم فوجئت بها 00 كانت بمفردها 00 وعندما سألتها كيف عرفت مكانى أجابت أن لها أقارب هنا 00 وهى كما ترى اجابة غير مقنعة 00

 

قلت وقد بدا لى أنه أولى الأمر اهتماما أكثر مما ينبغى ، فبمجرد السؤال فى الادارة يمكن معرفة موعد انتقال الدفعة الى معسكر التدريب ، وخيل لى أنه يحاول الاعتذار عن تصرفها ، ولذا بادرت بالقول : دعك من هذا 00 أخبرنى كيف أمضيت ليلة التاسع من يونيو ؟

 

قال : ولاحاجة 00 لم نكن قد نقلنا بعد 00 كنا نلعب الطاولة 00 عندما دخل الرقيب قرب المساء مقهقها على غير العادة ، تتراقص شواربه جذلا ، وهو يقول : البارد على حسابى 00 وتعجبنا لأمره فسألناه عن السبب مندهشين أجاب : ألم تسمعوا الأخبار ياولاد الـ00

 

وأدار مفتاح الراديو بيده وهو يقول : عبد الناصر تعيشون أنتم 00

 

                                                *

 

لقد علق حسين طويلا على كلا الموضوعين ، ولكنى كنت فى شغل شاغل عما يقول فى سؤال مزمن : من وراء ماحدث ؟ وقد بدأ حديث عن الخيانة يطل كرأس أفعى 0 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

                                        الرسالة الثانية

 

21/3/1968

 

تسعة أشهر تقريبا بلا خطابات !

 

ــ أين كنا طوال هذه الفترة ؟

 

ــ هل ضاعت خطابات أم أننا لم نكن نتراسل ؟

 

أغلب الظن أننا كنا نلتقى على فترات دورية قصيرة ، بحيث انتفى الدافع للتراسل ، وربما كانت فترة غامضة مظلمة لم يكن فيها مايستحق أن يتراسل من أجله الأصدقاء المتفرقون 0

 

لقد مرت شهور طويلة مريرة بعد التاسع من يونيو 1967 0

 

أى هول هذا الذى وقع ؟

 

لقد قدرت عشرين عاما على الأقل حتى نستطيع أن نحارب اسرائيل مرة أخرى ، بل حتى نسترد أرضنا على الأقل 0

 

لقد أفقنا على حقائق مذهلة خلعت قلوبنا من بين ضلوعها  !

 

ضاعت سيناء مرة أخرى ، ودمرت مدن القناة الرئيسية ، وهجر أهلوها اختياريا واجباريا ، وظهرت على مقربة من ضواحى القاهرة ــ قرب سكنى ــ مدينة بكاملها من الخيام والمساكن الشعبية سريعة التشطيب "للسوايسة" الذين كان بعضهم يثور فيهاجم أسواق الخضر والفاكهة لنهب سلالها ومحتوياتها 0

 

لا مورد لهم ، أو أن مواردهم الضئيلة لا تكاد تكفى قوت يومهم ، وقد تكدسوا أسرا كبيرة وصغيرة فى حجرات ضيقة ، فكان طبيعيا أن يفيض بهم الكيل بين آونة وأخرى 0

 

لقد كانوا قوة ضاربة بلا عمل ولامورد كافيا ، فأمطروا البلاد ــ محليا وأجنبيا ــ بالعاهرات واللصوص والقوادين !

 

ولم تكن المسافة بين السويس والقاهرة بها طلقة واحدة !

 

هكذا قال عبد الناصر فى احدى خطبه 00 يانهار اسود !

 

أين راحت سيمفونية أقوى قوة ضاربة فى الشرق الأوسط ؟

 

هل هذه هى اسرائيل التى كتب عنها أحد المخدوعين أو المطبلين ـ وكنا ندرس كتابه عن حرب السويس 56 ـ ( ان أى نار يمكن أن تشبها اسرائيل تطفئها بصقة !) ؟

 

أى وهم وأى خداع 00 وأى مهانة !

 

من فعل بنا ذلك ؟

 

المشير أم الغفير؟!

 

انتحر المشير ، والاهانة عالقة !

 

حكمت المحكمة على قيادات الطيران بالأشغال الشاقة  10 سنوات ، والاهانة عالقة !

 

اجتمع الطلاب وتظاهروا فى فبراير 1968 ، وتدفقوا من جامعات القاهرة الى مركز المدينة ، وحاصروا المؤسسة التى كنت أعمل بها ، ونادوا بسقوط الأقلام التى كانت تلف الحشيش وتدسه يوميا على الريق لأفراد الشعب المثقفين والبسطاء !

 

وقفت يومها فى الشرفة الواسعة أرقب حشد الطلبة الذى اندفع الى الجدران يكاد أن يدكها ، وقوى الشرطة التى أحاطت بالمدينة وتركزت فى ميدان التحرير عبر الشوارع التى تحيط بمجلس الشعب ودور الصحف ومجلس الوزراء تقاوم تيار الطلبة الذى جاء من كل اتجاه كأنما انشقت عنهم الأرض 0

 

أين كان هؤلاء منذ 8 شهور فقط ؟

 

كانوا فى اجازات الامتحانات مثلى ، ومن اذن هؤلاء الذين خرجوا ليلة التاسع من يونيو؟

 

فى ذلك اليوم من فبراير 1968 ، لم يجرؤ أحد من العاملين بالمؤسسة على الخروج الى الشارع ، وظلت الدار محاصرة بضع ساعات ، وكان هناك عدد من الصحفيين أعضاء فى التنظيم الطليعى وهو العمود الفقرى للاتحاد الاشتراكى ، وكان هؤلاء هم أول من اختفى من خلف مكاتبهم ، كما ظل الذين لم يحضروا بعد ببيوتهم بناء على اتصالات من أصدقائهم ، وبعضهم اتصل بالشرطة يطلب حماية الشعب من الشعب !

 

وكنت أعرفهم ، لأننى مثلهم بل منهم ، وكنت أفخر بذلك بينى وبين نفسى بالطبع (!)

 

أما الآن ، فان مكانى ليس هنا فى هذه الشرفة ، فأنا مازلت رغم تخرجى طالبا وكليتى هى أقرب الكليات ، وبالتالى فهى أول الذين وصلوا الى المكان 0

 

هؤلاء هم زملائى ــ الذين أعرفهم والذين لا أعرفهم ــ فى الشارع يتلقون الضربات وتسيل أعينهم من أثر القنابل المسيلة للدموع 0

 

ان مكانى ــ الآن ــ ليس هنا ، بل انه اما على الجبهة مع حسين ، أو فى الشارع مع هؤلاء الذين يطالبون بمعرفة الحقيقة 0

 

وأفقت محاطا برجال الشرطة يحاولون منعى من الخروج ، صحت بهم محاولا الافلات متصببا بالعرق والدموع : دعونى 00 أنا مسؤول عن نفسى ، وانزلقت من بين أيديهم ، وماهى الا خطوات حتى التحمت بالطرف الآخر ، الذى استقبلنى مهددا متوعدا ، لكننى وقفت أمامهم ملوحا ، وصرخت بالهتاف الذى كانوا يرددونه ، وتعالت الحناجر خلفى مرددة نفس الهتاف ، ومن ثم بدأت أؤلف الهتافات كما اتفق !

 

وسرعان مانداحت المجاميع الهادرة تحت ضغط الزحام الى مقدم الشارع 0

 

                                                   *

 

فى اليوم التالى ، بينما كان أنور السادات رئيس مجلس الشعب يستقبل زعماء الطلبة وعلى رأسهم رئيس الاتحاد الشهير فيما بعد ، كنا نحن فى اجتماع لمناقشة الأحكام الأخيرة 0

 

وكان هذا هو الاجتماع الأول ، بعد اجتماع النحس السابق على الهزيمة !

 

شتان مابين وجوهنا فى كلا الاجتماعين :

 

كان ذلك يوم 14/5/1967 ، ولا أدرى ان كانت تلك صدفة مدبرة أم غير ذلك ، فيومها كان هناك مؤتمر صحفى تقرر أن نسمعه ، أعلن فيه عبد الناصر ــ ولو نظريا من وجهة نظر القوى الدولية المعادية ــ الحرب على اسرائيل بطلب سحب القوة الدولية من مضايق تيران والاستيلاء عليها ، وكثيرون منا لم يكن قد سمع بها من قبل ، فقد كانت ضمن شروط الانسحاب بعد عدوان 1956 0

 

وقال عبد الناصر ردا على سؤال خبيث لأحد الصحفيين الأجانب أنه ليس (خرعا) مثل (ايدن) = رئيس وزراء بريطانيا ابان أزمة السويس ، والعجيب أن المسؤول عن انهيار (ايدن) النفسى والجسمانى كان هو عبد الناصر نفسه !!

تعليقات

التنقل السريع