الرسالة التاسعة
2/3/1969
عزيزى /....
مفاجأة
لقد وصلت الى الرقم (7)
لقد آن أن نفخر ، بكل طلاقة أن نفخر .. نحن أقوياء .. نحن كل شىء ونحن ضحاه وكان الله معنا ..
لا أستطيع أن أصف لك شعورى ، اقرأ خطابى الى أخى ..
سيكون خطابى هذا قصيرا ، فسبعة من (اليهود) .. ولا توجد خسائر عندنا بالنسبة للقناصة ..
حدثت 3 اشتباكات معنا ، بدون خسائر من جانبنا ، بينما كانت خسائر العدو 13 فردا ، 2 مدفع ماكينة ،
2 (كلمة غير واضحة) .
ملاحظة : هذه البيانات سرية ..
علك تكون قد شفيت ، رجائى الوحيد من الله أن أقابلك بعد هذه الانتصارات ، ان اشتياقى اليكم لا تحده حدود ،
أهدى اليك " ألف ليلة وليلة" ، وأملى ألف (يهودى ويهودى) ياابراهيم .
سلامى للجميع ، وخاصة للصداقة التى أسهمت فى هذا الانجاز ..
أخــــــــــوك
*
كان هذا رابع أيام عيد الأضحى المبارك ، وكانت هذه هى أضحية الحسين ، ولكن المفاجأة لم تكن فقط فى مضمون الخطاب ، وانما كانت هناك مفاجأة أخرى تعمدها تمشى على قدمين ، فقد كان حامل الخطاب هو الأخ فتحى !
لم أكن بالبيت عندما أحضر فتحى الخطابات فتركها على أن يعود ليرانى فى المساء ، لقد خامره الشك فى أن أكون نفس الشخص الذى التقاه على محطة الباص ذات ليلة فى تلك الضاحية البعيدة التى كان يسكن بها ، لكن بيت خاله كان قريبا ، وكان يريد أن يقطع الشك باليقين ، أما أنا فقد عرفت أنه هو ، قبل أن أراه ، لقد سماه حسين بالاسم وقرر أن يرسله الى ليؤكد لى حدسه .
*
لم يكن يعلم بالطبع أن مديحة قد زارتنى ، وفجرت بزيارتها عددا من المشكلات : كانت تريدنى أن استحثه ليتم اجراءات الزواج بها ، فى الوقت الذى اكتشفت فيه عنها علاقات جديدة ، خاصة علاقتها بنديم ، وهل من المعقول أن أترك فتحى لشأنه معها مع كل ماأعرفه الآن عنها ، وكيف أقنعه فى نفس الوقت ألا يرتبط بعزيزة ؟
ترددت كثيرا فى الاتصال به انفاذا لوعدى لها ، فعاودت هى الاتصال بى ، فانتهزت الفرصة لمعرفة تفاصيل وظروف وطبيعة علاقتها بنديم ، ويبدو أنها كانت مستعدة لمواجهة هذا الموقف ، قالت : أريد مكانا هادئا لأحكى لك حكايتى .
وبعد أن احتست مشروبها ، أخرجت من حقيبتها عدة أوراق قدمتها لى ، كان بها خط نديم المتعثر ولغته الركيكة ..
*
حاول عبد التواب أن يقرأ خطاب نديم ، لكنه يئس منذ الوهلة الأولى ، قلت : لاعليك .. هاهو الخطاب ..
*
” هذه رسالتى الثانية التى أكتبه اليك :
أعلم جيدا ماالذى تم بينك وبين حلمى يوم الخميس أو الأربعاء الماضى ، حيث أنكما اتفقتما على اجراءات الطلاق ، أو الانفصال التام ، على أن يدفع لك مبلغ خمسة جنيهات كل شهر لمدة خمسة شهور.
وقد علمت بذلك من أشخاص أنت لاتعرفينهم بتاتا ، ولكنهم يعرفون كل شىء عنك وعن حلمى ، وتصلنى هذه الأخبار سواء فى المنزل أو محل عملى .
وقد اتصل الأخ حلمى يوم الجمعة الماضى ، وكان ذلك أثناء لقاء له مع عايدة فى الساعة الخامسة مساء فى مكان ما ، وطلب منى ان نلتقى معا يوم الجمعة القادم ولكنى للأسف سأكون فى ذلك اليوم فى عيادة الدكتور .... لاجراء عملية استئصال اللوزتين ، وبالتالى سأؤجل موعدى مع حلمى .
وأنا أريد أن أعرف لماذا طلبنى حلمى فى هذا الوقت بالذات ، وقد تم الانفصال بينك وبينه بالفعل ، ويبدو لى أن موضوع خطابى الأول لم يصل اليه كما قلت لى أنت ، لأننى كما أوضحت لك تصلنى كل أخبارك وأخبار حلمى يوميا وقد حاولت أن أنبهك الى هذا مرة عندما لمحت لك عن بعض الأشخاص الذين يقطنون فى نفس المنزل .
اننى أتمنى أن تبدئى حياة جديدة وأنا أقدر الظروف التى تمرين بها الآن ، ولذا فانى أقترح أن تطرقى مجالات العمل الرحبة ، لتبنى حياتك من جديد ، ولا تفكرى فى الزواج ، فالحياة ليست مجرد الزواج ، وأنا لاأقول لك هذا تهربا منى أو انسحابا ، ولكننى أشعر أنك أصبحت معقدة من مجرد ذكر كلمة الزواج .
ربما أكون قد أحطأت فى حقك ولكن لابد من ان أصارحك القول أننى كنت أعرف عندما كنت فى امبابة لتحديد موعد كتب الكتاب ، أنك فى هذا اليوم بالذات كنت على موعد مع شخص ما عند كازينو الرومانس ، وعلمت بعد ذلك أنك كنت سهرانة حتى الساعة الواحدة صباحا مع شخص ما حيث رافقك الى المنزل ، وأنك تلتقين كثيرا مع هذا الشخص .
قلت لك سابقا فى خطابى الأول أنى أقدر ظروفك ، ولمحت لك بهذا فى لقائنا بالرومانس ذلك أنك انسانة ومازلت صغيرة وتحتاجين الى من يقف الى جانبك ، ولكن للأسف كان اختيارك لحلمى غير موفق ، حيث نسى أن له زوجة أحق به من عايدة ، وأعتقد أنك كنت تعرفين أنه على علاقة بعايدة فأردت الانتقام منه فتصورت أنه بعلاقة تتم بينك وبين أى شخص تضعه الظروف أمامك هو فى حد ذاته اشباع لرغباتك الجنسية كامرأة ، ومن ناحية أخرى انتقام من حلمى ازاء علاقته تلك .
والآن أنا لا أعرف ماهى الأسباب التى دفعته لكى يطلبنى فى هذا الوقت بالذات ، وقد انتهت علاقته بك رسميا ، فأرجو الاتصال بى قبل الانتهاء من العملية ، وقبل أن ألتقى به ، لأنك تعرفين لماذا يطلبنى الآن ، وحتى لا أتكلم أى كلام يضرك .
مع العلم أن أحدا من أسرتى لا يعرف أننى سأجرى هذه العملية باستثناء أختى وقد كتبت لك العنوان الذى لا يعرفه أحد سواك .. “
*
كان الخطاب مؤرخا قبل هذا اللقاء بحوالى سنتين ، واذن فقد عرفتنى وهى بعد متزوجة ، لم تكن قد طلقت بعد عندما قفزت من الناقذة بملابس النوم لتطلب مفتاحا وأجرة تاكسى ، وكان حلمى هذا هو موظف التأمينات الذى طمع فى مكافأة زوجها الشهيد بحرب اليمن ومعاشه المقرر ، فتزوجها ــ رغم أنه كان على وشك الزواج بمن تدعى عايدة ، أو ربما كان متزوجا منها بالفعل ، ومن الواضح أنه كان يبحث عن أى وسيلة للتخلص منها ــ أى من مديحة ــ بعد أن حصل على مايريد ، وسلبها كل ماتملك بناء على توكيل وقعته له ، ولم يبق لها سوى بعض الأثاث بشقتها تلك ، ولو استطاع ربما لأجبرها على بيعه كما أخبرتنى فيما بعد.
وكانت تريد من خلال قراءتى للخطاب أن أصدق أنها مجنى عليها ، كلهم يعدونها بالزواج ، ويبدو أنها كفرت بالزواج كما يقول نديم ، فى تحليله النفسى الذى أعجب كيف توصل اليه ، والذى كان مفتاحا لى فى اكتشاف الحقيقة ، انها اذن تنتقم من الرجال جميعا ، تذكرت أنها قالت لى مرة فى بداية تعارفنا ، أن زوجها الأول ، كان قد تزوجها رغم أنف أسرته الثرية ، لأنه تدله فى حبها وهى تعرف أن الاشاعات كانت تلاحقها أنه قد اعتدى عليها قبل الزواج ، وعندما خشى الفضيحة أقدم على الزواج منها سرا ، ثم سافر الى اليمن وكل الناس تعرف قصتها ، ولكنه مات قبل اعلان هذا الزواج ، وتركها فريسة للألسنة .. فمن اذن سيقبل الارتباط بها ؟
وقالت من خلال دموعها : لقد خدعنى مرتين .. وخاننى مرتين
ولذا كان سهلا أن تقع فى براثن موظف التأمينات الذى عرف حكايتها كما قصتها على ، والذى كان يحمل نفس اسم زوجها الراحل ، فصاروا ثلاث مرت !
*
لكننى ذكرتها أننى طلبت منها الزواج رغم أنف كل شىء ، شرط أن تترك شقتها الحالية فقد أصبحت أو ستصبح مطلقة ، ولا يستحب أن نستمر فى نفس المكان والحى ، لكنها رفضت هذا الشرط ، وقالت : انها تخاف من البهدلة ، وتخشى أن تتكرر مأساتها ، فيضيع منها ماتبقى لها : أى الشقة المستأجرة والأثاث الذى تملكه عن زوجها الشهيد !
وكانت حجة واهية ، وأسبابا ملفقة ، وحكاية لا تستقيم .
*
لم تعد تثق فى أحد اذن ، لكن هذا الخطاب يشير الى شخصين آخرين عرفتهما فى نفس الفترة ، ولعلها فى سبيل تبرئة ساحتها ، لم تفطن الى مابين السطور ، وكنت أكاد أخمن شخصيتيهما ، فأحدهما كان أخى الذى حاول أن يسبر غورها أو يبعدها عن طريقى بوسائله الخاصة حسب ما أخبرنى ، وربما كان لتدخله هذا أثرا فى ابتعادها وتهربها المفاجىء.
أما ذلك الشخص الآخر الذى كان يوصل الأخبار لنديم يوميا ، فلم يكن أحدا سواى ، فقد تذكرت أن زياراته لى تكررت كثيرا فى تلك الآونة ، ولاحظت أنها أقفلت شباكها ذات مرة عندما تبينت أن شخصا مايجالسنى ، وعندها سألنى متخابثا : هل هذا هو الجو؟ ومن يومها كنت أقص عليه كل شىء دون أن أعرف أن علاقته بها أقدم وأوثق .
تقول أنه كان فى حفل خطوبة أخت زوجها ذلك ، لأنه صديقه وكان ينتوى أن يخطب قريبة له ، وهو الحفل الذى حضرته تلك الليلة .. على حسابى !
ان الرغبة فى الانتقام التى يتحدث عنها نديم فى خطابه هذا ، اذا أخذت فى الاعتبار منذ السطر الأول وربطت بالأحداث التى مرت بها معى ، فانها اذن مفتاح الحقيقة الخفية فى تصورى ، قلت لها وقد تبلورت فى ذهنى رؤية متكاملة :
ــ أنت تكذبين فيما يتعلق بحلمى الشهيد باليمن ، كلا.. انه لم يغتصبك كما تريدين أن توحى الى .. ان حلمى لم يكن سوى مجنيا عليه ، وقد تطوع للقتال باليمن هربا من فضيحتك !
راحت تهز رأسها يمينا وشمالا ، وتشيح بيديها كمن يطرد شبحا مجهولا ، وتصدر صوتا مكتوما : لا.. لا..
واسترسلت غير مبال بتشنجها : وعندما وقعت فى حبائل هذا الموظف ، واكتشفت مبكرا أنه على علاقة بعايدة ، وأنه ليس له هدف سوى تجريدك من مستحقاتك عن زوجك الشهيد ، رفضت الاستسلام له ، ولما عرفت أنه على وشك الاقتران الفعلى بها ، وأنه سيطلقك فور استنزاف ماتملكين ، قررت الانتقام منه ، انه لم يقربك قط .. أليس كذلك ؟
صرخت : أرجوك .. كفى.. استحلفك بالله .. دع لى فتحى.. لم يعد لدى غيره .. انكم تقتلوننى .. لقد اغتصبتمونى ، وعبثتم بى ، وجردتمونى من كل ماأملك ، وتلعبون بى كالكرة ، وتريدون أن تلقوا بى فى الذل والمزبلة .. كفاكم .. كفاكم ..
وانحنت تريد أن تقبل قدمى ، تأثرت بنشيجها ودموعها ، وربت على كتفيها اللتين كانت تهتزان ، ومسحت على رأسها ، انها اذن ضحية لظروفها ، ولكنى لم أستطع الاستمرار مجاريا تمثيليتها الواضحة ، قلت بهدوء : طيب .. وماحكاية نانا ؟
رفعت وجهها مخضلا بالدموع ، التى اختلطت بالسواد والحمرة ، وفتحت عينيها دهشة !
*
لقد جن جنونها عندما اكتشفت أن كل ماستحصل عليه هو 25 جنيها مقسطة على 5 شهور ، هى شهور العدة تقريبا ، ففكرت أن تحمل طفلا ، حتى تحصل على نفقة مستمرة !
وبالطبع لم يكن من السهل اكتشاف ذلك ، لولا أن حلمى نفسه طلب مقابلة نديم ليبلغه ــ بل يحذره ــ بكل بساطة أنه قرر أن يطلقها ، وأنه لاعلاقة له بها لأنه لم يقربها قط ، فقد كان هدفه واضحا منذ البداية !
وعندما سألت نديما لماذا يخاطبها باسم (نانا) بينما اسمها (مديحة) ، وقد اطلعت بنفسى على بطاقتها الشخصية بمناسبة الحديث عن عمرها وميلادها ، كانت المفاجأة فى تلك الضحكة الهستيرية التى يطلقها عادة فى مثل هذه المناسبات التى يستعصى فيها عليه فهم أمرما ، ثم قال وقد توقف فجأة عن الضحك :
ــ لقد رأيت بطاقتها أيضا واسمها (نادية) والجميع يخاطبها بهذا الاسم .. لعله اسم الدلع !
وعندما شرحت له وجهة نظرى ، وما توصل اليه تصورى تفسيرا لسلوكياتها ، وأوضحت له أنها كانت تركز كثيرا على عملية است ئصال الرحم التى تدعيها ، وهى سلاح ذو حدين : فهى كفيلة من ناحية بألا يقدم أحد على الزواج منها اذا كان يريد أن يكون أبا ، بينما تشجع على اجراء علاقات معها دون خوف أو حذر .. اندفع واقفا كمن لدغته عقرب وصاح :
ــ أليس هذا صحيحا ؟ ... لقد خدعتنى بنت الـ....
وأسرع لا يلوى على شىء !
*
ولم يكن أمر فتحى فى يدى .. فقد أبلغنى أنه خطب عزيزة !
*
نهاية الجزء الاول
تعليقات
إرسال تعليق