القائمة الرئيسية

الصفحات

 


وأتساءل الآن بمرارة هل استطاع  عبد الناصر أن يقاوم آثار الهزيمة بأكثر مما قاوم (ايدن) ، ولقد كنا نتمنى من أعماق القلب لو أمكنه بالفعل أن يقاوم ، بل ان المقارنة تظلم (ناصر) كثيرا ، فشتان بين معتد يخفق فى عدوانه ، ومعتدى عليه يخفق فى رد العدوان ، ولكن السؤال الذى ظل يلاحقنى هو لمن كانت تقال كلمة  (خرع) ، وهل لها ترجمة انجليزية أمينة ؟

 

وها نحن بعد الهزيمة ، نجتمع مرة أخرى ، جلسنا كاليتامى فى مأدبة اللئام ــ كما يقولون ، تعلو الوجوه صفرة كالحة ، وبعض الوجوه قد اختفت تماما ، وكانت بعض الألسنة قد انطلقت ، يدفعها مد الطلبة الهادر 0

 

قال نديم : هذه الأحكام أقل بكثير مما يجب ، الطلبة ينادون باسقاطها 0

 

سأله مقرر الوحدة ساخرا كعادته : والعمال ؟

 

وسكت نديم ، انه يمثل العمال ، ولكن هل يجازف ؟

 

أما أنا فقد وجدت أن الكلام فى حد ذاته خسارة !

 

                                                  *

 

واستجاب عبد الناصر ، لقد كان الضغط أقوى من أى مقاومة :

 

رفع الحكم الى 15 سنة ، وعومل الطلاب معاملة خاصة ، وبرزت قيادة شابة من بينهم تصدرت ساحة العمل السياسى والادارى مايقرب من 20 عاما حتى الآن !

 

ولكن ماذا كان الثمن ؟ بل من كان الثمن ؟

 

همس صوت عبد التواب : حيلك 00 فلنقرأ الخطاب أولا !

 

                                                *

 

عزيزى ابراهيم

 

                    مرحب خليل مرحب خليل مرحـبا

                    ياخل ياللى ف فكرى ناغى وحــبا

                    علشان عيونك ياصديقى ارتضيت

                    حتى رمـــــــــال الأرض والأتربة

 

أليس هذا أعظم سلام مع مقدم الربيع ؟

 

هذه الرسالة مرسلة اليك مع صديق باليد ، لأننى لم أستطع النزول هذه المرة ، فقد نقلنا الى منطقة ما سوف يخبرك عنها حامل هذه الرسالة ، حيث بدأ تدريبنا على بيان جديد هام ، وسوف أطلعك على التفاصيل فيما بعد 00

 

معنوياتنا عالية !!

 

رجاء توصيل سلامى وتحياتى الى الوالدة العزيزة فى عيدها السعيد 0

 

وسلامى للاخوة والوالد والوالدة 0

 

وأرجو أن أطمئن فيما يتعلق بأمورك الشخصية وأحوالك الوظيفية والدراسية والذى منه ان أمكن لحين نزولى فى أوائل ابريل ان شاء الله 0

 

                         والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

                                                                 ألله 00 الوطن 00 بالحب

                   

                                               *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

                                       الرسالة الثالثة

 

3/12/1968

 

ــ مايقرب من تسعة أشهر أخرى طويلة بلا خطابات !

 

ــ ربما ضاعت ؟

 

ــ لا أعتقد ذلك 00 لقد استمرت فترة التدريب هذا الوقت الطويل قبل أن ينتقل الى الخطوط الأمامية 0

 

ــ كنا بالخطاطبة ــ قال أحمد ــ فى منطقة تشبه من معظم الوجوه لمنطقة القناة ، التى قيل عنها ـ بحق ـ أنها أكبر مانع مائى فى تاريخ الحروب ، وكنا نتدرب على العبور 0

 

قلت : ولكن أحداثا جساما كانت تحدث أيضا فى الداخل :

 

فقد صدر بيان 30 مارس ، وكان يبدأ بذلك السطر المهيب :

 

                        ( لاصوت يعلو فوق صوت المعركة )

 

وقيل أن الهدف منه امتصاص غضبة الجماهير التى ظهرت جلية فى مظاهرات واعتصام الطلبة ، كأنما كان البيان جاهزا للاصدار فور قيام الطلبة بمظاهراتهم ، وحتى لو كان الأمر كذلك فهو استجابة فورية ومباشرة من السلطة تنبع من نفس المصدر الذى صدرت عنه استجابة عبد الناصر لمطلب الجماهير فى 9 يونيو 0

 

وقد استندوا فى ذلك الى أنه ألقى للجماهير طعما تتلهى به ، يتمثل فى هدف اعادة بناء الاتحاد الاشتراكى من القاعدة الى القمة فى مقابل تعليق الدستور الدائم الى مابعد ازالة آثار العدوان 0

 

وكان معنى هذا اجراء انتخابات عامة ، فى ظل شروط وأوضاع جديدة أهمها اصدار تعريف جديد لصفة كل من العامل والفلاح ، وكان يهدف الى تقييد صفة العامل (والفلاح) التى اشتكى العمال (والفلاحون) من فضفضيتها حتى اختلط العامل بالعاطل والفلاح بالملاح !

 

وأجريت الانتخابات 00 وكنت أحد المشاركين فيها ، رشحت نفسى ممثلا عن الاداريين فى المنشأة بدعم طبيعى من الطليعة 0

 

وكان التنسيق التنظيمى على أعلى مستوى ، وكانت النتيجة فى مجملها لصالحنا ، فقد نجحت ، وكان ترتيبى الخامس :

 

وكان الستة الأوائل كلهم طليعيين ، وكلهم (فئات) = صحفيون وادارييون ، والأربعة التالون عمال ، ولكنهم ليسوا طليعيين ، ماعدا نديم 0

 

ومعنى هذا تنفيذا لنسبة ال 50% من العمال والفلاحين كحد أدنى فى جميع مستويات التنظيمات المنتخبة طبقا للميثاق والدستور : أن يستبعد أحد العناصر من الفئات ليضاف أقرب العناصر من العمال (من يملك أعلى الأصوات) ، وبذلك تصبح النتيجة 6/4 فى صالح التنظيم اذا كان العامل المضاف ليس طليعيا ، وقد كان الوضع كذلك ، بل ان العامل الذى كان مرشحا للاضافة كان مشهورا بعمله النقابى المناوىء للاشتراكية وربما للناصرية أو على الأقل لم يكن مرغوبا فيه !

 

كما كانت النتيجة محرجة فلجنة العشرة (الوحدة الأساسية كما تسمى) لاتضم الا عاملا واحدا طليعيا وهو نديم كما قلنا ، هذا كله عرفته فيما بعد 0

 

فقد أعلنت النتيجة المبدئية حوالى الثالثة عصرا ، وبينما كان الزملاء يحتفلون بنجاح مرشحيهم ، رن جرس التليفون ليعم الصالة الواسعة سكون ، كأنهم كانوا يتوقعون كارثة ما !

 

طلبت الى مكتب المسؤول الأول ، لم يكن هناك غيره والمقرر ، صافحنى قائلا : مبروك ياخليل

 

ــ الله يبارك فيك يافندم 00 مبروك للجميع 00

 

قهقه قائلا : ليس للجميع : شف ياخليل : النتيجة النهائية ليست مرضية ، لقد تسلل الرجعيون ، وعندما يتم تصعيد عضوين الى المكتب التنفيذى للقسم سيخلو لهم الجو هنا 0

 

تدخل المقرر الذى كان على علم بموضوع المقابلة : هو لايعرف جميع الزملاء ، والتفت الى قائلا : سأشرح لك الأمر تفصيلا فيما بعد ، أما الآن 00

 

قاطعه المسؤول الذى بدا مستعجلا : شف ياخليل : انت نجحت باعتبارك اداريا 00 تمام؟

 

ــ تمام 00

 

ــ الا أنه طبقا للتعريف الأخير لصفة العامل ، يسمح لك وضعك الوظيفى أن تكتسب هذه الصفة 0

 

لم يكن يسوءنى بالتأكيد أن أحتفظ بصفتى الأصلية ، فأنا عامل ابن عامل ، ولكنى رشحت نفسى ممثلا للاداريين ، وذلك قد تم بعد اعتماد شهادة البكالوريوس التى حصلت عليها بعد مجهودى الشخصى ومؤازرتهم بالتأكيد فضلا عن توفيق وفضل الله سبحانه وتعالى 0

 

قلت : كيف ياسيدى ؟ لقد قدمت شهادة البكالوريوس منذ شهور 0

 

ــ أعرف 00 لقد حصلت على شهادتك أثناء الخدمة ، وليس لك حق توقيع أى جزاء ادارى ، كما أنك مازلت عضو نقابة عمالية 00 تمام ؟

 

كان يعدد على أصابعه ، وهو بالتأكيد كان من الذين وضعوا التعريف ، قلت : صحيح يافندم 0

 

قهقه عاليا (وتلك عادته المحببة) : ثم انك عامل وابن عامل 00

 

أسرعت أتلو: كلنا عمال من رئيس الجمهورية الى البواب !

 

ــ اذن المطلوب الآن ( استعاد الآن ملامح انضباطه العسكرى) أن تحول صفتك الى عامل ، وهذا سيسمح لنا باضافة عنصر طليعى ، ونكسب بذلك عاملا ، ونستبعد أحد العناصر المتسللة ، وتصبح النتيجة 7/3 بدلا من 6/4 0

 

ــ محسوبة جيدا ياسيدى 00 ولكن

 

ــ شف ياخليل 00 ان هذا فى صالح التنظيم ، ثم ان العنصر الذى سيضاف معروف لك جيدا بل انه صديقك 0

 

كان صديقى 00 نعم ، كنت أصادق كل الناس ، وليس بينى وبين أى زميل الا كل خير ، لكن أن يكون رفيقا فهذا مالم أكن أعرفه ، كان هناك أكثر من شعبة داخل الوحدة 0

 

وممالم أكن أعرفه أيضا بل ولم أتوقعه حتى تلك اللحظة الفارقة أننى سأفقد معظم صداقاتى نتيجة لهذا الاجراء 0

 

                                                  *

 

تم تغيير الصفة فى المساء !

 

وأعلنت النتيجة بالجرائد صباح اليوم التالى على النحو المراد 00

 

تم استبعاد أحد العمال ، وادخال السادس فئات ، فقد اكتمل نصاب العمال بى !

 

وهكذا تحولت فرحة المشاركة لأول مرة فى العمل السياسى أوبالأحرى فى العملية الانتخابية الى نكسة !

 

اذ لم يسمح النقابيون بتمرير المسألة على هذا النحو ببساطة ، لقد تسببت فى استبعاد زميل لهم ، صحيح أن الصفة القانونية تنطبق على ، لكننى فى رأيهم قد تنصلت منها ، حين رشحت نفسى عن الاداريين ، فلماذا أرجع اليها ان لم أكن انتهازيا ؟

 

ثم اننى لن أمثل مصالحهم فى موقعى هذا ، وقد خسرت الذين رشحت نفسى ممثلا لهم ، وهم الاداريون ، لقد خدعتهم ، أو تنازلت عن صفتى لأمر يجهلونه ،وظلت كلمات رئيس اللجنة النقابية بالمؤسسة وهو زميل عزيز أيضا تدوى فى أذنى وهو يصيح على مسمع منى : (مادام قد انسلخ !) أى عن العمال ، (فكيف نقبل أن يمثلنا؟) ، والمؤلم هو أننى لم أكن أستطيع الدفاع !

 

كل هذا كان فى جانب ، ومافجرته هذه الاجراءات من تناقض خطير فى داخلى فى بداية مرحلة كنت أتصورها نقية ، كان هذا كوما فى جانب آخر !

 

الاشتراكية اذن شىء ، والمستفيدون بها ومنها بل والعاملون عليها شىء آخر!

 

الديمقراطية أيضا شىء ، والمستفيدون بها ومنها بل والعاملون عليها شىء آخر!

 

لم أستبشر خيرا ، فقد كانت البداية سيئة ، وسمعنا أنها تصاعدت بدورها الى قمة الهرم التنظيمى 0

 

يحدث هذا ، ونحن مقبلون على مرحلة الردع ، بعد أن أضنتنا مرحلة الصمود !

 

لافائدة اذن ، مرة أخرى : ليس هذا مكانى : اقرأ ياأخى :

 

الرفيق / خليل

 

بعد صباح ومساء الخير :

 

كان هذا هو الموجز واليكم الأنباء بالتفصيل :

 

                                 ممنوع يكون انسان غلبان

                       

                               توقيع : على جناح التبريزى

 

فراغ بدونك 00 صمت بدونك 00 أى نعم 00

 

ولكن فقط لا أعرف كيف يا 0000 تلتقى لقاء جنسيا رائعا ، وأنا هنا واقف أراقب ولاد الكلب وهم عندهم أيضا ترفيه  جنسي رائع !

 

وأنا الغلبان أينما وجهت وجهى : ترفيه  جنسي رائع !

 

والأدهى من ذلك ، أن نذهب أنا وأنت الى الساعة النباتية بميدان التحرير ، على أمل ، ثم لانحظى الا بخفى حنين 0

 

عموما حمدا لله أنك بخير ، وأنا مقدر ظروفك ، وتأكد ياعزيزى أنى مثلك تماما ، فقد فرجت أزمة الحادث العارض وانجلت تماما وسنلتقى قريبا جدا

 

أتساءل هل كتب علينا أن نواجه المصاعب أينما ولينا وجوهنا ؟

 

أرجو أن تكون حكايتك الغريبة قد انجلى غبارها 00 بدورها00

 

أعرف أنك من الصعب أن تمثل الدور الذى فرض عليك ، ولن تتحمل طويلا 00

 

وبالمناسبة ماأخبار دراستك العليا ؟ أرجو أن تركز عليها وتهتم بها 0

 

ولامانع طبعا من الترفيه بين آونة وأخرى ، وان كنت لا أدرى هل سنحظى بمثل ذلك اللقاء أم أنه محرم على ؟

 

وقد رأيت معى السيد على جناح التبريزى وهو يصيح (ممنوع يكون انسان غلبان) وأنا أريد يعنى ألا أكون انسانا  غلبانا فى هذه الناحية بالذات عندما أنزل ان شاء الله !

 

                                                                            أخوك

                                                                   من موقعى الحصين

                                                                     على ضفة القناة

 

                                                   *

 

ارتفعت صيحاتهما ، وخاصة الجنزورى ( أحمد = من جنزور منوفية) اذ أصر على استيضاح تفاصيل هذا الترفيه :

 

ــ ولكن من ؟ أخيرا مديحة ؟

كنت أحاول التذكر ايضا ، صبرا يااخوان ، توجد ملحوظة هنا :

 

( تكلمت ياندل عن العلاقة بين الدين والقضية كلاما فارغا نوعا ما ، أنا لم أعلمك هكذا ، لقد كنت اقصد أننى مررت بتجربة صوفية فعلا ، فقد أحسست بوجود الله ، وتأثرت جدا ، ولقد أعجبتنى فى تحليلك له فى خطاب يوم الجمعة المكتوب بالحبر الأحمر ، ولكنى لم أعجب بتحليلك الأول عن الدين والقضية ، فأنا لست كذلك أؤمن أو أعتقد ، أنا أفهمك جيدا ، وأفهم نفسى أيضا ، ولكن ماحدث لى جعلنى أؤكد لك من هنا أنى مع ايمانى بالله مؤمن بالقضية ولا تناقض بينهما ، اقرأ خطابى وأنت تجد ذلك 0

هل كان ذلك لأنك كنت تستعد لتلك الحضرة الراقصة ، أعانك الله ياعم ، انه لأمر (هملتى) جدا ، ويبدو لى أنك صرت 000 (ولابلاش))

وسرعان ماتحول الاهتمام الى ذلك الذى حدث مع حسين ، وجعله (يحس) بوجود الله !

وكنت أشعر بوجود خطأ ما !

فلنستمر يارفاق00 ولنتمسك بالصبر!

 

 

تعليقات

التنقل السريع